سرطان المريء : فهم المرض وأعراضه وخيارات العلاج الحديثة
كتب : يسرا السيوفي
سرطان المريء هو نوع من السرطان يبدأ في الخلايا المبطنة للمريء، وهو الأنبوب العضلي الذي ينقل الطعام والسوائل من الفم إلى المعدة.
يمكن أن يحدث هذا السرطان في أي جزء من المريء، وهناك نوعان رئيسيان:
سرطان الخلايا الحرشفية (Squamous cell carcinoma)، الذي يبدأ في الخلايا المسطحة الرقيقة التي تبطن سطح المريء، وسرطان الغدّي (Adenocarcinoma)، الذي يبدأ في الخلايا الغدية التي تفرز المخاط في المريء السفلي.
فهم طبيعة هذا المرض وأعراضه المبكرة وعوامل الخطر المرتبطة به يلعب دورًا حيويًا في التشخيص المبكر وتحسين فرص العلاج والشفاء.
الأعراض المبكرة والمتقدمة لسرطان المريء:
في المراحل المبكرة، قد لا يسبب سرطان المريء أي أعراض ملحوظة، مما يجعل التشخيص المبكر تحديًا.
ومع تقدم المرض، قد تظهر مجموعة من الأعراض التي يجب الانتباه إليها واستشارة الطبيب عند ملاحظتها. تشمل الأعراض الأكثر شيوعًا:
صعوبة في البلع (Dysphagia): يعد هذا العرض من أكثر الأعراض شيوعًا، حيث يشعر المريض بأن الطعام عالق في حلقه أو صدره. قد تبدأ الصعوبة مع الأطعمة الصلبة ثم تتطور لتشمل الأطعمة اللينة والسوائل.
فقدان الوزن غير المبرر: قد يفقد مرضى سرطان المريء وزنًا ملحوظًا دون محاولة ذلك نتيجة لصعوبة البلع وتقليل تناول الطعام.
ألم في الصدر: قد يشعر المريض بألم أو ضغط أو حرقة في الصدر، وقد يكون هذا الألم مستمرًا أو متقطعًا.
حرقة المعدة وعسر الهضم: على الرغم من شيوعها، إلا أن زيادة حدة حرقة المعدة أو عدم استجابتها للعلاج قد تكون علامة على مشكلة أكثر خطورة.
بحة في الصوت: إذا امتد الورم ليؤثر على العصب الحنجري الراجع، فقد يتسبب ذلك في بحة في الصوت.
سعال مزمن: في بعض الحالات، قد يسبب سرطان المريء سعالًا مستمرًا، خاصة إذا حدث ارتداد حمضي أو إذا كان الورم يضغط على القصبة الهوائية.
قيء: قد يحدث قيء في المراحل المتقدمة من المرض نتيجة لانسداد المريء جزئيًا أو كليًا.
تعب وإرهاق: الشعور بالتعب والإرهاق العام يمكن أن يكون علامة على العديد من الأمراض، بما في ذلك السرطان.
براز أسود أو دموي: قد يشير إلى نزيف في الجهاز الهضمي العلوي.
عوامل الخطر المرتبطة بسرطان المريء:
هناك عدة عوامل يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بسرطان المريء، وتشمل:
* التدخين: يعد التدخين من أهم عوامل الخطر لكلا النوعين الرئيسيين من سرطان المريء.
* تناول الكحول المفرط: يزيد الاستهلاك المنتظم والمفرط للكحول من خطر الإصابة بسرطان الخلايا الحرشفية.
* ارتجاع المريء المزمن (GERD): يمكن أن يؤدي الارتجاع المزمن لحمض المعدة إلى تلف بطانة المريء وتطور حالة تسمى مريء باريت (Barrett’s esophagus)، وهي حالة تزيد من خطر الإصابة بسرطان الغدّي.
* مريء باريت: الأشخاص الذين يعانون من مريء باريت لديهم خطر أعلى بكثير للإصابة بسرطان الغدّي.
* السمنة: يرتبط الوزن الزائد والسمنة بزيادة خطر الإصابة بسرطان الغدّي.
* تاريخ عائلي للإصابة بسرطان المريء: قد يزيد وجود تاريخ عائلي للمرض من خطر الإصابة به.
* تناول المشروبات الساخنة جدًا: تشير بعض الدراسات إلى أن تناول المشروبات الساخنة جدًا بانتظام قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الخلايا الحرشفية.
* نظام غذائي منخفض في الفواكه والخضروات: قد يزيد النظام الغذائي غير الصحي من خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان، بما في ذلك سرطان المريء.
* تضيق المريء الناتج عن إصابات أو أمراض أخرى: يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الخلايا الحرشفية.
* متلازمة بلومر-فينسون (Plummer-Vinson syndrome): وهي حالة نادرة مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بسرطان الخلايا الحرشفية.
تشخيص سرطان المريء
يعتمد تشخيص سرطان المريء على مجموعة من الفحوصات والإجراءات، بما في ذلك:
* التاريخ الطبي والفحص البدني: يسأل الطبيب عن الأعراض والتاريخ الطبي للمريض وعائلته.
* التنظير العلوي (Upper Endoscopy): يتم إدخال أنبوب مرن مزود بكاميرا (منظار) عبر الفم إلى المريء والمعدة والاثني عشر لفحص البطانة وأخذ خزعات (عينات صغيرة من الأنسجة) لفحصها تحت المجهر.
* الخزعة: يتم فحص عينات الأنسجة التي تم أخذها أثناء التنظير لتحديد ما إذا كانت الخلايا سرطانية ونوع السرطان.
* تصوير الصدر والمعدة والأمعاء بالباريوم (Barium Swallow): يتم ابتلاع سائل يحتوي على الباريوم، ثم يتم التقاط صور بالأشعة السينية للمريء والمعدة والأمعاء لتحديد أي تشوهات.
* التصوير المقطعي المحوسب (CT Scan): يوفر صورًا تفصيلية للأعضاء الداخلية ويمكن أن يساعد في تحديد مدى انتشار السرطان.
* التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يمكن استخدامه لتقييم مدى انتشار السرطان بشكل أكثر تفصيلاً في بعض الحالات.
* التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET Scan): يمكن أن يساعد في تحديد ما إذا كان السرطان قد انتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم.
* الموجات فوق الصوتية بالمنظار (Endoscopic Ultrasound – EUS): يتم إدخال منظار مزود بمسبار للموجات فوق الصوتية إلى المريء لإنشاء صور لجدار المريء والأنسجة المحيطة، مما يساعد في تحديد عمق الورم ومدى انتشاره إلى الغدد الليمفاوية القريبة.
خيارات علاج سرطان المريء الحديثة:
تعتمد خيارات علاج سرطان المريء على عدة عوامل، بما في ذلك مرحلة السرطان وموقعه ونوع الخلايا السرطانية والصحة العامة للمريض وتفضيلاته. تشمل خيارات العلاج الحديثة:
الجراحة: قد تشمل إزالة جزء من المريء (استئصال المريء) وفي بعض الحالات جزء من المعدة والغدد الليمفاوية المحيطة.
و يمكن إجراء الجراحة بمقاربة مفتوحة أو باستخدام تقنيات طفيفة التوغل (مثل الجراحة بالمنظار أو الروبوتية).
العلاج الكيميائي (Chemotherapy): يتم استخدام أدوية قوية لقتل الخلايا السرطانية.
يمكن إعطاء العلاج الكيميائي قبل الجراحة لتقليص الورم، أو بعد الجراحة لقتل أي خلايا سرطانية متبقية، أو كعلاج رئيسي في الحالات التي لا يمكن فيها إجراء الجراحة أو في حالات السرطان المنتشر.
العلاج الإشعاعي (Radiation Therapy): يتم استخدام أشعة عالية الطاقة لقتل الخلايا السرطانية.
يمكن استخدامه قبل الجراحة لتقليص الورم، أو بعد الجراحة لقتل أي خلايا سرطانية متبقية، أو كعلاج رئيسي في الحالات التي لا يمكن فيها إجراء الجراحة أو لتخفيف الأعراض في حالات السرطان المتقدم.
يمكن أن يكون العلاج الإشعاعي خارجيًا (يتم توجيه الأشعة من جهاز خارج الجسم) أو داخليًا (يتم وضع مصدر مشع بالقرب من الورم داخل الجسم – العلاج الإشعاعي الموضعي).
العلاج الكيميائي الإشعاعي (Chemoradiation): يتم الجمع بين العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي لزيادة فعالية كل منهما. غالبًا ما يستخدم هذا النهج قبل الجراحة أو كعلاج رئيسي في حالات معينة.
العلاج الموجه (Targeted Therapy): تستخدم هذه الأدوية مركبات تستهدف تشوهات محددة موجودة في الخلايا السرطانية.
يمكن أن يكون العلاج الموجه فعالًا في أنواع معينة من سرطان المريء، مثل سرطان الغدّي الذي يحتوي على بروتين HER2 الزائد.
العلاج المناعي (Immunotherapy): يساعد هذا النوع من العلاج جهاز المناعة في الجسم على مكافحة السرطان.
لقد أظهر العلاج المناعي نتائج واعدة في علاج بعض حالات سرطان المريء المتقدم.
العلاج التلطيفي (Palliative Care): يهدف هذا العلاج إلى تخفيف الأعراض وتحسين نوعية حياة المرضى الذين يعانون من سرطان المريء المتقدم. يمكن أن يشمل العلاج التلطيفي تخفيف الألم، وتحسين القدرة على البلع (مثل وضع دعامة في المريء)، وإدارة الأعراض الأخرى.
العلاج بالتبريد (Cryotherapy): يستخدم لتدمير الخلايا السرطانية عن طريق تجميدها.
العلاج بالليزر: يمكن استخدامه لتدمير الخلايا السرطانية أو لتخفيف الانسداد في المريء.
العلاج الضوئي الديناميكي (Photodynamic Therapy – PDT): يستخدم دواء حساس للضوء يتم تنشيطه بواسطة الليزر لقتل الخلايا السرطانية.
الوقاية من سرطان المريء
على الرغم من عدم وجود طريقة مضمونة للوقاية من سرطان المريء، إلا أن هناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لتقليل خطر الإصابة به:
الإقلاع عن التدخين: يعد أهم خطوة للوقاية من سرطان المريء.
الحد من تناول الكحول: خاصة المشروبات الكحولية القوية.
إدارة ارتجاع المريء: علاج ارتجاع المريء المزمن يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بمريء باريت وسرطان الغدّي.
الحفاظ على وزن صحي: تجنب السمنة يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بسرطان الغدّي.
اتباع نظام غذائي صحي: غني بالفواكه والخضروات.
تجنب المشروبات الساخنة جدًا: ترك المشروبات تبرد قليلًا قبل تناولها.
المتابعة المنتظمة في حالة مريء باريت: إذا تم تشخيصك بمريء باريت، فمن المهم إجراء فحوصات تنظيرية منتظمة لمراقبة أي تغييرات قد تشير إلى تطور السرطان.