من الطبيعى أن يشعر الإنسان بالإنفعال فى بعض المواقف الإجتماعية -أو بعبارة أخرى- القلق اليومى هو رد فعل طبيعى لموقف عصيب، فعلى سبيل المثال يمكن أن يؤدى القيام بأول زيارة لمنزل وأسرة العروس أو تقديم عرض تقديمى أمام جمهور الى الشعور بالقلق او بالتوتر والانفعال .
ولكن- الخوف الشديد والحرج أو القلق البالغ بسبب الخوف من تركيز الآخرين فى أفعال الشخص ومراقبتها وربما الحكم عليها مما يؤدى بالشخص الى الإجتناب وبالتالى يعوق الأنشطة اليومية والإعتيادية كالعمل والدراسة وغيرها، فهذا هو القلق الاجتماعى أو بمسمى آخر الرهاب الإجتماعى والذى يتضمن الخوف من المواقف الإجتماعية ويؤثر على قدرته فى تأدية أى مهام .
ويعد إضطراب القلق الإجتماعى (الرهاب الإجتماعى ) حالة صحية نفسية مزمنة تحتاج الى تعلم مهارات التأقلم وإكتساب الثقة بالنفس وتحسين القدرة على التفاعل مع الآخرين، ولعل هناك اسباب عديدة وعوامل خطورة هى نتاج التفاعل المعقد بين العوامل البيئية والبيولوجية قد تؤدى الى هذه الحالة نذكر منها :-
البيئة:
فقد يكون اضطراب القلق الإجتماعى سلوكًا مكتسبًا، أيضًا قد يكون هناك إرتباط بين إضطراب القلق الإجتماعى والآباء الذين يسلكون سلوكًا قلقًا فى المواقف الإجتماعية أو المفرطين فى حماية أبنائهم .
الصفات الموروثة:
فتميل إضطرابات القلق الى الإنتشار بين أفراد الأسرة الواحدة إلا أنه من غير الواضح هل يمكن إرجاع ذلك الى الجينات أم السلوك المكتسب .
التركيب التشريحى والوظيفى للمخ:
فيمكن أن تلعب إحدى أجزاء المخ والتى تسمى باللوزة الدماغية دورًا فى التحكم فى إستجابة الخوف، فقد يكون لدى الأشخاص الذين يعانون فرط أو زيادة فى نشاط اللوزة الدماغية إستجابة أعلى للخوف.الأمر الذى يؤدى بهم الى القلق من المواقف الإجتماعية .
كما أن هناك مجموعة من العوامل يطلق عليها عوامل الخطورة يمكنها أيضا أن تؤدى بالشخص الى إضطراب القلق الإجتماعى. منها :-
-التجارب السلبية ؛ فقد يصبح الطفل الذى يتعرض لمضايقات أو تنمر أو رفض أو سخرية أو إهانة أكثر عرضه ، و لا يمكننا أن نغفل النزاعات العائلية أو الصدمات أو الإنتهاك فقد يقترن ذلك كله بإضطراب القلق الإجتماعى .
المزاج (Mood) فالأطفال الذين لديهم شعور بالخجل أو الهياب إزاء الأشخاص الجدد أو إزاء المواقف فينسحبون من ذلك حيث يشعرون بالقيد ازائها هم أكثر عرضة للإصابة .
التاريخ العائلى الإيجابى ؛ فى حالة إذا كان الوالدين أو الأشقاء يعانى أى منهم من المرض .
المتطلبات الإجتماعية أو العملية الجديدة ؛ فقد يثير ظهور الأعراض لأول مرة مقابلة أشخاص جدد أو الإضطرار للتحدث أمام جمهور أو القاء عرض تقديمى فى العمل .
وجود مظهر أو حالة ملفته للإنتباه ؛ كأن يكون الشخص مصاب بتشوه ما فى الوجه مثلا. أو كمثل الإرتعاشات التى تحدث فى مرض باركنسون (الشلل الرعاش Parkinson’s disease ). فقد تزيد جميعها من الإحساس بالخجل وتوزع بظهور القلق الإجتماعى .
كما تساهم أيضا الأحداث العصبية الشائعة مثل الخلافات الشخصية أو فقد صداقة أو إنتهاء علاقة عاطفية أو التفكك الأسرى أو فقد أحد الأقارب فى إضطراب القلق الإجتماعى بشكل لايمكن أن نغفله .
إذن – وكما سبق وذكرنا أن الرهاب الإجتماعى يؤثر على القدرة على أداء المهام لدرجة قد تعوق الذهاب للعمل أو الدراسة أو ممارسة الأنشطه الحياتيه اليومية وقد يعانى الشخص من بعض الأعراض العضوية المصاحبة بخلاف الإرتباك أمام الآخرين والشعور المفرط بالحرج أو إيجاد الصعوبة فى تكوين صداقات أو الحفاظ على الصداقات أو الإبتعاد عن الأماكن المزدحمة التى يتواجد بها الآخرين أو الرهبة من تقييم الآخرين .
-فقد يعانى من خفقان أو سرعة بضربات القلب مثلا أو احمرار بالوجه أو العرق الغزير أو الإرتعاش عند الإحتكاك بالآخرين أو ربما يعانى من الشعور المفرط بالغثيان أو الميل للقئ أو الم بالمعدة .لذا – فيؤدى هذا كله الى مجموعة من المضاعفات الخطيرة كإنخفاض مستوى الثقة بالنفس وفرط التحسس للنقد وضعف المهارات الإجتماعية ..الإنعزال والإنطوائية والتأخر الدراسى أو التأخر فى العمل Kكما قد يؤدى الى صعوبة أن تكون متأكدا أو أن توجه كلاما سلبيا لذاتك .
-وقد يؤدى هذا كله فى نهاية المطاف الى الإنحراف كتعاطي المخدرات وشرب الخمور وربما الإنتخار أو محاولة الإنتحار . أو قد يؤدى الى أمراض أخرى تصاحبه كالإكتئاب مثلا .يجب عدم تغافل هذه الحالة وبمجرد الشك أو ملاحظة ماقد يشير الى وجود هذه الحالة ..يجب فورا عدم التردد فى مراجعة الطبيب حتى لا تتفاقم الأمور وتصبح أكثر تعقيدا .
يعتمد العلاج على مدى تأثير إضطراب القلق الإجتماعى على الآداء فى الحياة اليومية وهناك نوعان من العلاج ؛-
- العلاج النفسي
- الأدوية
وقد يستخدم كلاهما فى خطة العلاج لنفس المريض .
يعد العلاج السلوكي الإدراكى هو أكثر أنواع العلاج النفسى فاعلية مع القلق كما يمكن أن يكون فعالا عند القيام به بشكل فردى أو جماعى ، وهو شديد الفاعلية وطويل الأمد يستغرق فى المتوسط١٢ الى ١٦ أسبوع حتى تظهر النتائج وذلك حسب إستجابة كل شخص.
على الرغم من توفر العديد من أنواع الأدوية إلا أن العلاج الدوائى يعتمد على مضادات القلق مثل عقار كلونازيبام و Beta Blockers كالبروبرانولول ليقلل أو يمنع ضهور أعراض جسدية . ومضادات الإكتئاب مثل SSRIs وتسمى مثبطات إعادة امتصاص أو إسترداد السيروتونين الإنتقائية مثل باروكستين وفلوكستين وغيرهم .
غير أن الطبيب هو المسؤل عن ضبط الجرعات المناسبة لكل مريض حسب حالته أو احتياجه أو إستجابته ولكن القاعدة العامة هى البدء بجرعات منخفضة من الأدوية وزيادتها تدريجيا حتى الوصول الى الجرعة الكاملة . وربما يتعين تجربة عدة مضادات اكتئاب مختلفة للوصول الى العقار الأكثر فاعلية. لذا فقد يستغرق العلاج الدوائى أيضا أسابيع أو عدة أشهر للوصول بالمريض للنتائج المرجوه .
وبالرغم من أن إضطراب القلق الإجتماعى يتطلب بوجه عام المساعدة الطبية من طبيب متخصص ومن معالج نفسى مؤهل .. الا أن الأعراض قد تختفى لدى بعض الأشخاص بمرور الوقت .
ويمكن لنمط الحياة والعلاجات المنزلية ومساعدة الأسرة والمحيطين القيام بدور محورى فى العلاج والتخلص من الرهاب الإجتماعى .
ويعد فهم القلق الإجتماعى والتعرف عليه أولى وأهم الخطوات لتعلم كيفية التحكم فيه . يلى ذلك التدريب على التفكير الواقعى وذلك فى غاية الأهمية-حيث- إدراك أن الأفكار هى مجرد تكهنات حول ماسيحدث وأنها ليست حقائق فعلية يعتبر خطوة جوهرية هامة للتحكم فى القلق.
أيضا تعلم مهارات الإسترخاء وممارسة التمرينات البدنية وإتباع نظام غذائى صحى ومتوازن وتجنب الكحوليات والكافايين-لكل ذلك – دور هام أيضا فى العلاج لنصل بعد ذلك الى مرحلة مواجهة المخاوف والإنخراط تدريجيا فى المجتمع حتى نصل الى مرحلة التعافى والشفاء .